فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

قال الشنقيطي:
قوله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قالوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} الآية.
هذا الذي شهدوا عليه حق لأن رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم حق لا شك فيها وقد كذبهم الله بقوله: {والله يشهد إن المنافقين لكاذبون}، مع أن قوله: {والله يعلم أنك لرسوله} كأنه تصديق لهم.
والجواب أن تكذيبه تعالى لهم منصب على إسنادهم الشادة إلى أنسهم في قولهم نشهد وهم في باطن الأمر لا يشهدون برسالته بل يعتقدون عدمها أو يشكون فيه كما يدل للأول قوله تعالى: {أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ} إلى قوله: {وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ}.
ويدل للثاني قوله تعالى: {وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ}. اهـ.

.تفسير الآيات (4- 6):

قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقولوا تَسْمَعْ لِقولهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما وصف سبحانه بواطنهم بما زهد فيهم لأن الإنسان بعقله كما أن المأكول بشكله، وكانت لهم أشكال تغر ناظرها لأن العرب كانت تقول: جمال المنظر يدل غالبًا على حسن المخبر، قال تعالى: {وإذا رأيتهم} أي أيها الرسول على ما لك من الفطنة ونفوذ الفراسة أو أيها الرائي كائنًا من كان بعين البصر {تعجبك أجسامهم} لضخامتها وصباحتها، فإن غايتهم كلها بصلاح ظواهرهم وترفيه أنفسهم، فهم أشباح وقوالب ليس وراءها ألباب وحقائق، قال ابن عباس- رضى الله عنهما ـ: كان ابن أبي- يعني- الذي نزلت السورة بسببه- جسيمًا فصيحًا صحيحًا ذلق اللسان، وقوم من المنافقين في مثل صفته وهم رؤساء المدينة، وكانوا يحضرون مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستندون فيه ولهم جهارة المناظر وفصاحة الألسن، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن حضر يعجبون بهياكلهم.
ولما وصف البواطن والظواهر، وكان قولهم: المرء بأصغريه قلبه ولسانه مشروطًا كما هو ظاهر العبارة بمطابقة اللسان للقلب، قال معبرًا بأداة الشك إشارة إلى أنهم لا يكلمونه صلى الله عليه وسلم إلا اضطرارًا لأنهم لا يحبون مكالمته ولا باعث لهم عليها لما عندهم من أمراض القلوب: {وإن يقولوا} أي يوجد منهم قول في وقت من الأوقات {تسمع لقولهم} أي لأنه يكون بحيث يلذذ السمع ويروق الفكر لما فيه من الادهان مع الفصاحة فهو يأخذ بمجامع القلب.
ولما أخبر عن ظاهرهم، دل على أن ذلك الظاهر أمر لا حقيقة له، وأنهم لما وطنوا أنفسهم على الوقاحة وخلعوا لباس الحياء بالكذب بذلوا جميع الجهد في تحسين القول لأنه لا درك عليهم فيه فيما يحسبون بوجه لأنهم لا يحسبون للآخرة حسابًا فقال: {كأنهم} أي في حسن ظواهرهم وسوء بواطنهم وفي الجبن والخور وعدم الانتفاع بهم في شيء من فهم أو ثبات فإنهم لا حقيقة لهم {خشب} جمع كثرة لخشبة وهو دليل على كثرتهم.
ولما كان الخشب ربما أطلق على المغروس،نفى ذلك بقوله منبهًا بالتشديد على الكثرة: {مسندة} أي قد قطعت من مغارسها وقشرت وأسندت إلى الجدر لئلا يفسدها التراب، فهي بيض تلوح تعجب ناظرها ولا ثبات لها ولا باطن بثمرة ولا سقي فلا مدد سماوي لها أصلًا يزكيها نوع زكاء فقد فقدت روح الإثبات الذي به كمالها كما فقد المنافق روح الإيمان الذي به كمال الناطق وبقاؤه، فهم في تلك الحالة أشباح بلا أرواح أجسام بلا أحلام.
ولما كان من يقول ما لا يفعل يصير متهمًا لكل من يكلمه، لأنه لإخلافه له قد صار عدوه فيتوهم الناس كلهم أعداء له فيكسبه ذلك أشد الجبن، وذلك هو السبب الأعظم في تحسين قوله، قال: {يحسبون} أي لضعف عقولهم وكثرة ارتيابهم لكثرة ما يباشرون من سوء أعمالهم {كل صيحة} أي من نداء مناد في انفلات دابة أو إنشاد ضالة، ونحو ذلك {عليهم} أي واقعة.
ولما كان من يظن عداوة الناس له يكون هو عدوًا لهم، قال نتيجة ما مضى: {هم} أي خاصة {العدو} أي كامل العداوة بما دل عليه الإخبار بالمفرد الذي يقع على الجمع دون الجمع إشارة إلى أنهم- في شدة عداوتهم للاسلام وأهله وكمال قصدهم وشدة سعيهم فيه- على قلب واحد وإن أظهروا التودد في الكلام والتقرب به إلى أهل الإسلام، فإن ألسنتهم معكم إذا لقوكم، وقلوبهم عليكم مع أعدائكم، فهو عيون لهم عليكم.
ولما بين ذلك من سوء أحوالهم سبب عنه قوله: {فاحذرهم} لأن أعدى الأعداء العدو المداحي الذي يكاشرك وتحت ظلوعه الداء الدوي، فإن من استشعر أنك عدو له بغى لك الغوائل، وأغلب من يعجبك قوله على هذا الوصف يكون، ولكنه يكون بلطف الله دائم الخذلان منكوسًا في أكثر تقلباته بيد القهر والحرمان لسر قوله تعالى: {قاتلهم الله} أي أحلهم الملك المحيط علمًا وقدرة محل من يقاتله عدو قاهر له أشد مقاتلة على عادة الفعل الذي يكون بين اثنين.
ولما كان حالهم في غاية العجب في صرفهم عن الإسلام أولا بالعمى عن الآيات الظاهرات، وثانيا عن الإخبار بأسرارهم، وخفي مكرهم وأخبارهم، وفي عدم صرفهم عما هم عليه من قبح السرائر وسوء الضمائر بتعكيس مقاصدهم، وتخييب مصادرهم في مكرهم ومواردهم، دل على ذلك بقوله: {أنّى} أي كيف ومن أيّ وجه {يؤفكون} أي يصرفهم عن إدراك قبح ما هم عليه صارف ما كائنا ما كان ليرجعوا عنه إلى حسن الدين والأنس به وإدراك بركته وعظيم أثره.
ولما كان هذا أمرا عظيما قاطعا عن الله ورسوله فيحتاج فاعله حاجة شديدة إلى التطهير وهو جدير بعظمه أن لا يطهره غاية الطهر إلا سؤال النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا لم يفعلوا ذلك، دل على سوء بواطنهم وغلظ أكبادهم وأنهم كالخشب المسندة في أنهم لا ثمرة لهم ولا زكاء أصلا بقوله: {وإذا قيل لهم} أي من أيّ قائل كان: {تعالوا} أي ارفعوا أنفسكم مجتهدين في ذلك بالمجيء إلى أشرف الخلق الذي لا يزال مكانه عاليا لعلو مكانته {يستغفر لكم} أي يطلب الغفران لأجلكم خاصة بعد أن تتولوا من ذنبكم من أجل هذا الكذب الذي أنتم مصرون عليه.
ولما تقدم عاملان، أعمل الثاني منهما كما هو المختار من مذهب البصريين فرفع قوله: {رسول الله} أي أقرب الخلق إلى الملك الأعظم الذي لا شبيه لجوده {لووا رؤوسهم} أي فعلوا اللي بغاية الشدة والكثرة، وهو الصرف إلى جهة أخرى إعراضا وعتوا وإظهارا للبغض والنفرة، وبالغوا فيه مبالغة تدل على أنهم مغلوبون عليه لشدة ما في بواطنهم من المرض {ورأيتهم} أي بعين البصيرة {يصدون} أي يعرضون إعراضا قبيحا عما دعوا إليه مجددين لذلك كلما دعوا إليه، والجملة في موضع المفعول الثاني لرأيت {وهم مستكبرون} أي ثابتو الكبر عما دعوا إليه وعن إحلال أنفسهم في محل الاعتذار، فهم لشدة غلظتهم لا يدركون قبح ما هم عليه ولا يهتدون إلى دوائه، وإذا أرشدهم غيرهم ونبههم لا ينبهون، فقد روي أنه لما نزل القرآن فيهم أتاهم عشائرهم من المؤمنين وقالوا: ويحكم افتضحتم وأهلكتم أنفسكم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتولوا إليه واسألوه أن يستغفر لكم، فأبوا ذلك فأنزل الله هذه الآية، وروي أن ابن أبي رأسهم لوى رأسه وقال لهم: أشرتم علي بالإيمان فآمنت وأشرتم عليّ بأن أعطي زكاة مالي ففعلت، ولم يبق إلا أن تأمروني بالسجود لمحمد.
ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب صلاحهم فهو يحب أن يستغفر لهم، وربما ندبه إلى ذلك بعض أقاربهم، فكان استغفاره بحيث يسأل عنه، قال منبها على أنهم ليسوا بأهل للاستغفار لأنهم لا يؤمنون.
{سواء} أي غلب واستعلى هذا الاستواء الذي عالجوا أنفسهم عليه حتى تخلقوا به فصار مجردا عن أدنى ميل وكلفة {عليهم}.
ولما كان قد سلخ في هذا السياق عن الهمزة معنى الاستفهام كان معنى {استغفرت لهم} أي في هذا الوقت {أم لم تستغفر لهم} أي فيه أو فيما بعده- مستو عندهم استغفارك لهم وتركه، لأنه لا أثر له عندهم، ولهذا كانت نتيجته- عقوبة لهم- النفي المبالغ فيه بقوله: {لن يغفر الله} أي الملك الأعظم {لهم} ولعل التعبير بالاستفهام بعد سلخ معناه للاشارة إلى أنهم لو شاهدوا الملك يستفهمك عن ذلك ما ردهم عن نفاقهم وما زادهم ذلك على ما عندهم شيئا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قيد هذه الآية بآية براءة المحتملة للتخيير وأنه إن زاد على السبعين كان الغفران مرجوا، فاستجاز بذلك الصلاة على ابن أبي رأس المنافقين والاستغفار له لما عنده صلى الله عليه وسلم من عظيم الشفقة على عباد الله ومزيد الرحمة لهم ولاسيما من كان في عداد أصحابه والأنصار-رضي الله عنهم- به عناية.
ولما كان التقدير لتعليل المبالغة في الإخبار بعد الغفران لهم: لأن فسقهم قد استحكم فصار وصفا لهم ثابتا، عبر عن ذلك بقوله: {إن الله} أي الذي له صفات الكمال {لا يهدي القوم} أي الناس الذي لهم قوة في أنفسهم على ما يريدونه {الفاسقين} لأنهم لا عذر لهم في الإصرار على الفسق وهو المروق من حصن الإسلام بخرقه وهتكه مرة بعد مرة والتمرن عليه حتى استحكم فهم راسخون في النفاق والخروج عن مظنة الإصلاح. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وإِذا رأيْتهُمْ تُعْجِبُك أجْسامُهُمْ وإِنْ يقولوا تسْمعْ لِقولهِمْ}
اعلم أن قوله تعالى: {وإِذا رأيْتهُمْ} يعني عبد الله بن أبي، ومغيث بن قيس، وجد بن قيس، كانت لهم أجسام ومنظر، تعجبك أجسامهم لحسنها وجمالها، وكان عبد الله بن أبي جسيما صبيحا فصيحا، وإذا قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم قوله، وهو قوله تعالى: {وإِن يقولواْ تسْمعْ لِقولهِمْ} أي ويقولوا: إنك لرسول الله تسمع لقولهم، وقرئ {يسمع} على البناء للمفعول، ثم شبههم بالخشب المسندة، وفي الخشب التخفيف كبدنة وبدن وأسد وأسد، والتثقيل كذلك كثمرة وثمر، وخشبة وخشب، ومدرة ومدر.
وهي قراءة ابن عباس، والتثقيل لغة أهل الحجاز، والخشب لا تعقل ولا تفهم، فكذلك أهل النفاق كأنهم في ترك التفهم، والاستبصار بمنزلة الخشب.
وأما المسندة يقال: سند إلى شيء، أي مال إليه، وأسنده إلى الشيء، أي أماله فهو مسند، والتشديد للمبالغة، وإنما وصف الخشب بها، لأنها تشبه الأشجار القائمة التي تنمو وتثمر بوجه ما، ثم نسبهم إلى الجبن وعابهم به، فقال: {يحْسبُون كُلّ صيْحةٍ عليْهِمْ هُمُ العدو} وقال مقاتل: إذا نادى مناد في العسكر، وانفلتت دابة، أو نشدت ضالة مثلا ظنوا أنهم يرادون بذلك لما في قلوبهم من الرعب، وذلك لأنهم على وجل من أن يهتك الله أستارهم، ويكشف أسرارهم، يتوقعون الإيقاع بهم ساعة فساعة، ثم أعلم الله رسوله بعداوتهم فقال: {هُمُ العدو فاحذرهم} أن تأمنهم على السر ولا تلتفت إلى ظاهرهم فإنهم الكاملون في العداوة بالنسبة إلى غيرهم وقوله تعالى: {قاتلهم الله أنى يُؤْفكُون} مفسر وهو دعاء عليهم وطلب من ذاته أن يلعنهم ويخزيهم وتعليم للمؤمنين أن يدعوا بذلك، و{أنى يُؤْفكُون} أي يعدلون عن الحق تعجبا من جهلهم وضلالتهم وظنهم الفاسد أنهم على الحق.
وقوله تعالى: {وإِذا قِيل لهُمْ تعالوْاْ يسْتغْفِرْ لكُمْ رسُولُ الله} قال الكلبي: لما نزل القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم بصفة المنافقين مشى إليه عشائرهم من المؤمنين وقالوا لهم: ويلكم افتضحتم بالنفاق وأهلكتم أنفسكم فأتوا رسول الله وتوبوا إليه من النفاق واسألوه أن يستغفر لكم، فأبوا ذلك وزهدوا في الاستغفار فنزلت، وقال ابن عباس لما رجع عبد الله بن أبي من أحد بكثير من الناس مقته المسلمون وعنفوه وأسمعوه المكروه فقال له بنو أبيه: لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يستغفر لك ويرضى عنك، فقال: لا أذهب إليه، ولا أريد أن يستغفر لي، وجعل يلوي رأسه فنزلت.
وعند الأكثرين، إنما دعى إلى الاستغفار لأنه قال: {ليُخْرِجنّ الأعز مِنْها الأذل} [المنافقون: 8] وقال: {لا تُنفِقُواْ على منْ عِند رسُولِ الله} [المنافقون: 7] فقيل له: تعال يستغفر لك رسول الله فقال: ماذا قلت: فذلك قوله تعالى: {لوّوْاْ رُءوسهُمْ} وقرئ: {لوّوْاْ} بالتخفيف والتشديد للكثرة والكناية قد تجعل جمعا والمقصود واحد وهو كثير في أشعار العرب قال جرير:
لا بارك الله فيمن كان يحسبكم ** إلا على العهد حتى كان ما كانا

وإنما خاطب بهذا امرأة وقوله تعالى: {ورأيْتهُمْ يصُدُّون وهُم مُّسْتكْبِرُون} أي عن استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكر تعالى أن استغفاره لا ينفعهم فقال: {سواءٌ عليْهِمْ أسْتغْفرْت لهُمْ} قال قتادة: نزلت هذه الآية بعد قوله: {استغفر لهُمْ أوْ لا تسْتغْفِرْ لهُمْ} وذلك لأنها لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيرني ربي فلأزيدنهم على السبعين» فأنزل الله تعالى: {لن يغْفِر الله لهُمْ إِنّ الله لا يهْدِي القوم الفاسقين} قال ابن عباس: المنافقين، وقال قوم: فيه بيان أن الله تعالى يملك هداية وراء هداية البيان، وهي خلق فعل الاهتداء فيمن علم منه ذلك، وقيل: معناه لا يهديهم لفسقهم وقالت المعتزلة: لا يسميهم المهتدين إذا فسقوا وضلوا.
وفي الآية مباحث:
البحث الأول:
لم شبههم بالخشب المسندة لا بغيره من الأشياء المنتفع بها؟ نقول لاشتمال هذا التشبيه على فوائد كثيرة لا توجد في الغير الأولى: قال في (الكشاف): شبهوا في استنادهم وما هم إلا أجرام خالية عن الإيمان والخير، بالخشب المسندة إلى الحائط، ولأن الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو جدار أو غيرهما من مظان الانتفاع، وما دام متروكا فارغا غير منتفع به أسند إلى الحائط، فشبهوا به في عدم الانتفاع، ويجوز أن يراد بها الأصنام المنحوتة من الخشب المسندة إلى الحائط شبهوا بها في حسن صورهم، وقلة جداوهم الثانية: الخشب المسندة في الأصل كانت غصنا طريا يصلح لأن يكون من الأشياء المنتفع بها، ثم تصير غليظة يابسة، والكافر والمنافق كذلك كان في الأصل صالحا لكذا وكذا، ثم يخرج عن تلك الصلاحية الثالثة: الكفرة من جنس الإنس حطب، كما قال تعالى: {حصبُ جهنّم أنتُمْ لها وارِدُون} [الأنبياء: 98] والخشب المسندة حطب أيضا الرابعة: أن الخشب المسندة إلى الحائط أحد طرفيها إلى جهة، والآخر إلى جهة أخرى، والمنافقون كذلك، لأن المنافق أحد طرفيه وهو الباطن إلى جهة أهل الكفر، والطرف الآخر وهو الظاهر إلى جهة أهل الإسلام الخامسة: المعتمد عليه الخشب المسندة ما يكون من الجمادات والنباتات، والمعتمد عليه للمنافقين كذلك، وإذا كانوا من المشركين إذ هو الأصنام، إنها من الجمادات أو النباتات.
الثاني: من المباحث أنه تعالى شبهم بالخشب المسندة، ثم قال من بعد ما ينافي هذا التشبيه وهو قوله تعالى: {يحْسبُون كُلّ صيْحةٍ عليْهِمْ هُمُ العدو} [المنافقون: 4] والخشب المسندة لا يحسبون أصلا، نقول: لا يلزم أن يكون المشبه والمشبه به يشتركان في جميع الأوصاف، فهم كالخشب المسندة بالنسبة إلى الانتفاع وعدم الانتفاع، وليسوا كالخشب المسندة بالنسبة إلى الاستماع وعدم الاستماع للصيحة وغيرها.
الثالث: قال تعالى: {إِنّ الله لا يهْدِي القوم الفاسقين} ولم يقل: القوم الكافرين أو المنافقين أو المستكبرين مع أن كل واحد منهم من جملة ما سبق ذكره؟ نقول: كل أحد من تلك الأقوام داخل تحت قوله: {الفاسقين} أي الذين سبق ذكرهم وهم الكافرون والمنافقون والمستكبرون. اهـ.